وقفات من سورةنوح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاةوالسلام على سيد المرسلين محمد واله الطاهرين
اَللّهُمَّ عَظُمَ بَلائيوَاَفْرَطَ بي سُوءُ حالي، وَقَصُرَتْ (قَصَّرَتْ) بي اَعْمالي وَقَعَدَتْ بياَغْلالى، وَحَبَسَني عَنْ نَفْعي بُعْدُ اَمَلي (آمالي)، وَخَدَعَتْنِي الدُّنْيابِغُرُورِها، وَنَفْسي بِجِنايَتِها (بِخِيانَتِها) وَمِطالي يا سَيِّديفَأَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ اَنْ لا يَحْجُبَ عَنْكَ دُعائي سُوءُ عَمَلي وَفِعالي،وَلا تَفْضَحْني بِخَفِي مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنْ سِرّى، وَلا تُعاجِلْنيبِالْعُقُوبَةِ عَلى ما عَمِلْتُهُ في خَلَواتي مِنْ سُوءِ فِعْلي وَإساءَتيوَدَوامِ تَفْريطي وَجَهالَتي وَكَثْرَةِ شَهَواتي وَغَفْلَتي، وَكُنِ اللّهُمَّبِعِزَّتِكَ لي في كُلِّ الاَْحْوالِ (فِي الاَْحْوالِ كُلِّها) رَؤوفاً وَعَلَي فيجَميعِ الاُْمُورِ عَطُوفاً اِلـهي وَرَبّي مَنْ لي غَيْرُكَ أَسْأَلُهُ كَشْفَضُرّي وَالنَّظَرَ في اَمْري
كثيرة هي الدروس التي نستطيع اننستفيدها من قصص الأنبياء في القران الكريم وفي مختلف الأصعدة والمجالات خصوصا اذاعلمنا ان الله تعالى اهتم بها وجعلها أحسن القصص {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَالْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِلَمِنَ الْغَافِلِينَ {يوسف/3} وقد سمى الله تعالى في كتابه العزيز سورة كملة باسمسورة القصص وقد أمر نبيه محمد (صلى الله عليه واله ) في استخدام القصص النافعةوسيلة لتربية الأمة وتطوير مستواها الفكري فقد قال تعالى " فاقصص القصص لعلهميتفكرون " ونريد ان نسلط الضوء على جوانب مهمة ذكرت في قصة نبي الله نوح (ع) وبالخصوص ما ذكره القران في سورة نوح(ع) . فان هذه السورة الجليلة هي السورة (71) حسب التسلسل القرآني وعدد آياتها (28) أية وقد ورد في فضل هذه السورة العديد منالروايات بالإضافة الى فضل القران اجمعه وسورة نوح جزء منه وورد فيها خصوصا الكثيرمن الأحاديث عن المعصومين(ع) منها ما روي عن الإمام الصادق (ع) : (( من كان يؤمنبالله ويقرا كتابه لا يدع قراءة سورة " انا أرسلنا نوحا الى قومه " فاي عبد قرأهامحتسبا صابرا في فريضته او نافلته اسكنه الله تعالى مساكن الأبرار )) . و نريد اننستفيد عدة نقاط من هذه السورة المباركة ضمن إطارين الأول الجانب الاجتماعي وحركةالمؤمن الرسالي في داخل المجتمع للدعوة الى الله تعالى والثاني أخلاقيات العملالإسلامي في استهداف الهداية والصلاح انطلاقا من روح المسؤولية بواقع الأمةومستقبلها . والإشارات القرآنية النافعة في هذه السورة كثيرة جداً في الا اننا نشيرالى بعضها و كما يلي:
أولا: ان الهدف الأسمى للمؤمن فيعمله الاجتماعي هو تركيز عبادة الله تعالى والتوجيه الحقيقي والمتواصل إليها فقدقال تعالى في هذه السورة على لسان نوح " قال يا قوم اني لكم نذير مبين * ان اعبدواالله واتقوه واطيعون " .
ثانيا: ان المؤمن صاحب الرسالة والذي يحمل قضيه عادلة لايقدم شكواه من الصعوبات التي يواجهها داخل المجتمع الا إلى الله تعالى وهنا نذّكرالإخوة ان كثير منا حينما يواجه أي صعوبة في عمله في خدمة الدين والمذهب فانه يبدأبالشكوى والتذمر وهذا ينبغي ان يترك والموجود الوحيد الذي يستحق ان نشكو إليههمومنا الاجتماعية وغيرها هو الله تعالى فقد قال تعالى في هذه السورة على لسان نوح " قال رب اني دعوت قومي ليلا ونهارا * فلم يزدهم دعائي الا فرارا "
ثالثا: ان المؤمن الرسالي يستخدم كل الأساليب والطرق الممكنة للوصولبالمجتمع الى الهداية والصلاح ولذلك نجد ان السورة تشير الى ان نبي الله نوح حاولمعهم بكافة الوسائل ولم يمنعه إعراضهم وإنكارهم عن ذلك فان صاحب القضية لا يتراجعبسبب موقف أهل الضلال فانه رغم إعراض الكثيرين وصدهم له ووضعهم للعقبات أمامه كبيرا للان تعيش الأمة ثماره وأنت اذا قرأتالسورة تلاحظ هذا المعنى فقد قال تعالى " قال رب اني دعوت قومي ليلا ونهارا " وقالتعالى " ثم اني دعوتهم جهارا * ثم اني أعلنت لهم وأسررت لهم أسرارا "
رابعا: ان المؤمن الرسالي يعتمد في إرشاد الناس الى بيانالنتائج الكبيرة التي تترتب على الالتزام بالأوامر الربانية وهذه النتائج في الدنياوالآخرة بطبيعة الحال . هنا نجد نبي الله نوح يؤكد على الآثار المترتبة علىالاستغفار فقد قال تعالى " فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا * يرسل السماء عليكممدرارا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍوَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا " . إذن علينا ان نفهم هذه الحقيقة الثمينة فنحنعندما نريد ان ندعو الناس للطاعة والالتزام علينا ان نبين لهم الآثار الايجابيةالتي تترتب على ذلك وان نؤكد ان السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة انما تكون فيالسير على السنن الإلهية وان الأنظمة البشرية مهما تقدمت وحققت نجاحا هنا وهناكفإنها غير قادرة ان توفر للبشرية المقدار الأعلى والكافي من السعادة والحياةالكريمة .
خامسا: من أساليب الهداية والإرشاد التي على المؤمنالرسالي ان يتخذها في هداية الأمة أسلوب الإشارة الى الإتقان والحكمة الإلهية فيخلق الكون على مستوى خلق السماء والإبداع الإلهي في نظامها فقد قال تعالى على لساننوح وهو يذّكر قومه بذلك " الم ترو كيف خلق الله سبع سماوات طباقا * وجعل القمرفيهن نورا والشمس سراجا " ثم تذكير الإنسان بأصل وجوده من الأرض وخروجه منها بعدالموت وكيف ان الله تعالى خلق الكرة الأرضية مؤاتية للحياة البشرية قال تعالى فيالسورة " والله جعل لكم الأرض بساطا * لتسلكوا منها سبلا فجاجا " ان الحديث الواعيالذي ينطلق من حقائق علمية رصينة هو الأسلوب الأمثل في إقناع المجتمع . فعلى جميعالعاملين لنشر الدين والمذهب ان يعتمدوا أسلوب نوح (ع) في الحوار الصريح المبني علىالحقائق العلمية التي لا يرقى إليها الشك وليس صحيحا ان نؤسس نشاطنا الرسالي علىشعارات فارغة لا تحتوي مضمونا علميا حقيقيا مقنعا للجماهير .
سادسا: نوح هنا يكشف لنا عن حقيقة مرة وعن مرض اجتماعي خطير من حيثان الأمة المنحرفة والأمة الجبانة هي التي تترك قيادة الأنبياء والأئمة الصالحينوتسير خلف المترفين والأقوياء . كما أكد السيد الولي ان الغرب يسيطر على وجه الكرهالأرضية بالمال والسلاح فتنبه معي لتعبير القران على لسان نوح : " قال رب إنهمعصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده الا خسارا " إذن قوم نوح تركوا القيادةالصالحة كما قال " رب إنهم عصوني " واتبعوا القيادة الفاسدة الدنيوية " واتبعوا منلم يزده ماله وولده الا خسارا " إذن الأمة التي تسير خلف المترفين والأقوياء هي امةتصطدم مع القيادة الإلهية وبالتالي تؤسس حضارتها وكيانها على الظلم والعدوانوالعناد الفكري والفساد الأخلاقي كما نراه اليوم في حضاراتالعالم.
سابعا: الأمة المنحرفة والمجتمع الفاسد بطبيعة الحال يتمسك بعناوينالضلال وبرموز الانحراف فقد قال تعالى عنهم " وقالوا لا تذرن إلهتكم و لاتذرن وداولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا " هذه أسماء إلهتهم آنذاك وألان المجتمع الفاسديتمسك بعناوين من نوع أخر فكثير من النساء عنوانهن ومثالهن في الحياة هي الراقصةالفلانية والمغنية الفلانية وعارضة الأزياء الفلانية وكذلك الرجال مثلهم الأعلىاللاعب الفلاني والفنان او المغني الفلاني . الذين نقلدهم بالكلام والملابس والشكل . هذا مرض اجتماعي خطير عانى منه نوح ونعاني منه الان . ولكن نحن من سيكون الأجدركرمز لنا؟ لا نقبل برمز لنا الا محمد وعلي والأئمة //ونسائنا لا يقبلن برمز الا فاطمة الزهراء ع وزينب ع
ثامنا: ان النتيجة الحقيقية لانحراف المجتمع هي الدمار فقد قال تعالىفي هذه السورة " مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْيَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا " هذا مع قوم نوح – اما الآن فالحروبوالأزمات الاقتصادية والأمراض العالمية وغيرها كما نرى وترون .
ثامنا: المجتمع الذي يستحق الدمار والانهيار وبحسب منطوق هذه السورةقد وصل الى نقطتين خطيرتين
1- انه أصبح مصدر لإفساد المجتمعاتالأخرى " انك ان تذرهم يضلوا عبادك " وهذا نلاحظه في كثير من المجتمعات التي سيطرعليها الانحراف فبدأت بتصديره لباقي الأمم كما في أوربا .
2- ان عامل الوراثة قد احكم قبضته بحيث انه من الصعب او المستحيل ان الجيل اللاحقسيكون أفضل حالاً من الجيل السابق . " ولا يلدوا الا فاجرا كفارا " فالوراثةوالتربية – كما يقول علماء النفس –وصلت بهم الى اتجاه لا أمل فيه لتوقع الخيرإطلاقا .
تاسعا: ان المؤمن الواعي لابد ان يهتم في أي إصلاح يقوم به بدائرتينمهمتين:
اولا: الأسرة فقد قال تعالى على لسان نوح " رب اغفر لي ولوالدي ولمندخل بيتي مؤمنا "
ثانيا: الجماعة المؤمنة : فقد أكملت الآية السابقة " والمؤمنينوالمؤمنات "
ونوح أيها الإخوة صورة صادقة عن جميع المؤمنين الرسالين عبر التاريخ الذين يحملون قضية الهداية والإصلاح لباقي الناس وتوجد العديد من الالتفاتاتالجليلة في هذه السورة نتركها طلبا للاختصار ونوكل للقارئ ان يقرأها جيدا ويستخرجمنها وقفات أخرى م 0 ن /
والله المستعان .